يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

المناضل جورج عبد الله.. الكرامة قبل الحرية
01/04/2021

المناضل جورج عبد الله.. الكرامة قبل الحرية

فاطمة سلامة

من يقرأ في مسيرة وتاريخ المناضل جورج عبد الله، يشعر أنّ كلمة "مناضل" قليلة في حقه. تمرّد هذا الرجل بعنفوان قوي على سجانه الفرنسي، فرفض كل عروضات إطلاق السبيل التي تخالف قناعاته. يُفضّل جورج النضالي تمضية ما بقي من عمره في الأسر، على أن يغيّر قيد أنملة من عقيدته وخطه. وفق قناعاته، لا معنى للحرية بلا كرامة، وعلى هذا الأساس يرفض رفضاً قاطعاً أن يتسوّل أحد حريته لأنها حق له وليست منّة من أحد. من يعرف جورج جيداً يعلم كم هو ثابت على مواقفه، متمسك بهواه للمقاومة، ثائراً، عزيزاً، "كفاحيّ" للحدود القصوى، كما ينقل عنه عارفوه.

37 عاماً قضاها المناضل جورج عبد الله في السجن الفرنسي، لكن كل تلك العقود "العجاف" لم تُثبط عزيمته. أكثر من ثلاثة عقود وقضيته -للأسف- منسية رسمياً، قبل أن تستفيق الدولة اللبنانية منذ عامين على مناضل لها معتقل بغير وجه حق في فرنسا رغم أنه أنهى محكوميته منذ أكثر من عقدين. وللتذكير فإنّ اعتقال عبد الله جاء بعد اتهامه بقيادة العمليات "البطولية" التي نفذتها الفصائل الثورية اللبنانية، على رأسها اغتيال المسؤول في الاستخبارات الأميركية تشارلز راي وياكوف برسيمنتوف المسؤول في الموساد عام 1982، وهي التهمة التي يعتبرها عبد الله وساماً على صدره.

روبير عبد الله: من يراهن على تنازلات من المناضل جورج فهو واهم

في الأيام الأخيرة، برزت معلومات عن تقدم في قضية جورج عبد الله، على إثر زيارة وزيرة العدل ماري كلود نجم لفرنسا ولقائها به. لكن في المقابل، ثمّة من يراهن على تنازلات يقدّمها عبد الله مقابل إطلاق حريته. وفي هذا الصدد، يشدّد الدكتور روبير عبد الله شقيق المناضل جورج في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أنّ من يراهن على تنازلات من المناضل جورج فهو واهم. من وجهة نظره، فإنّ نقاش قضية جورج من زاوية تقديم التنازلات هو تمييع للقضية وتهرب من المسؤوليات الملقاة على عاتق الدولة الفرنسية بالإفراج عن معتقل رأي. لمجرد أن يكون الموضوع مطروحاً من هذه الزاوية، فالاعتقال هو اعتقال رأي، والنقاش من هذه الزاوية هو تمييع لمسؤولية الدولة الفرنسية عن تقديم مبررات هشّة لعدم تنفيذ قراراتها القضائية.

الأمل محفوف بالمخاطر

هل لديكم أمل هذه المرة بإطلاق سراح جورج؟ يجيب روبير عن هذا السؤال بالقول: "لدينا أمل الى حد ما، كي لا نكون جاحدين. لكن أملنا دائماً مرتبط بما جرى سابقاً بعدما كنا ذاهبين لاستقباله بالمطار وانتهى الموضوع، وبالتالي فإنّ الأمل محفوف بالمخاطر".

الحديث عن تنازلات هو تعمية على مضمون الفكرة
 
يؤكّد روبير أنّه وبمعزل عن شخصية جورج عبد الله فإنّ الكلام عن تقديم تنازلات وغيره لا يصح بآليات الإفراج عن أسرى ومناضلين. التنازلات لا تُبنى بمقاييس وأعراف الدول. من الممكن أن يوافق الأسير على ما يريده السجّان، ولكن لا يصح أصل الطرح في هكذا قضايا عندما تكون هناك دول تتعاطى بملف سجين أو أسير، لذلك فإنّ الحديث عن تنازلات هو تعمية على مضمون الفكرة. ثمّة أسير اعتُقل في صراع سياسي وعمل سياسي "طويل عريض" دُمّرت بموجبه أوطان، وكان جزءاً من هذا العمل، وبالتالي فإن الدولة التي اعتقلته خلافاً للقانون ليس لديها أي مسوّغ للحديث عن تنازلات. منذ متى تحكم الدول على أحد بالاستمرار بالسجن نتيجة تمسكه برأي؟ يسأل روبير الذي يشدّد على أنّ التنازلات هي موقف ورأي ولا شيء في كل الكرة الأرضية يجيز اعتقال أحد لأجل رأي يؤمن به.

جورج لن يغيّر من قناعاته

وفي معرض حديثه عن المبادئ التي يؤمن بها جورج ومدى تمسكه بثوابته وقناعاته، يشدّد روبير على أنّ أخاه في السجن منذ 37 عاماً، وكان قد بدأ نشاطه النضالي منذ نعومة أظافره أي منذ 55 عاماً، وبالتالي لم يعد من العمر أكثر مما مضى اذا أفرج عنه في عمر السبعين. فماذا يعني أن يخرج في عمر السبعين عاماً ليعيش بضع سنوات على فكرة تناقض كل كينونته وبالتالي يكون قد انتهى كإنسان؟ يسأل روبير ليكرّر أنّ جورج لن يغيّر من قناعاته حتى ولو كان الثمن بقاءه في السجن مدى العمر.

ويتوجّه روبير الى أخيه بالقول: "عادة ما نستمد منك الأمل والصمود، ولعل بمكان ما كل هذا الجيل الصاعد الذي كبر على الخيبات وعلى تدمير أوطاننا ومجتمعاتنا يرى فيك صورة الانسان المبدئي". برأي المتحدّث، لعل استمرار اعتقال جورج هو محاولة لتطويعه وقتل صورة جورج النضالي، لأن الفرنسيين ليسوا أغبياء ليظنوا أن جورج اذا خرج من السجن سيجر خلفه جيوشا تجتاح أوروبا. هم ومن خلفهم من الأميركيين و"الاسرائيليين" يريدون قتل هذه الصورة في جورج عبد الله.

ويلفت عبد الله الى أنّ الدولة قصّرت 35 عاماً في قضية جورج، ومنذ عامين بدأت تتحرك، ومنذ لحظة زيارة وزيرة العدل بتنا نلمس أن هناك دولة تتصرف ككل دول العالم التي عندما يُعتقل لديها أي موقوف حتى في تهمة مخدرات تتحرك على أعلى مستوى سياسي لها وتُفرج عنه.

الخنسا: إبقاء فرنسا المناضل عبد الله سجيناً دون وجه حق يشكّل جريمة

وفي الوقت الذي تعتقل فيه فرنسا المناضل عبد الله لأسباب سياسية واضحة وضوح الشمس وسط ضغط أميركي وصهيوني، ثمّة سؤال: ماذا يقول القانون في قضية عبد الله؟ وهل من سبل قانونية لإطلاق سراحه؟.

المحامية مي الخنسا تقول لموقعنا إنّ إبقاء فرنسا المناضل جورج عبد الله سجيناً دون وجه حق هو جريمة طبقاً للقانون الفرنسي ومحكمة ستراسبورغ (المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان) والقانون الإنساني الدولي. تشدد الخنسا على أن جورج عبد الله قد أنهى محكوميته ولكن المدعى العام الفرنسي يرفض إخلاء سبيله لأسباب سياسية. برأيها، كان من المفترض اللجوء الى محكمة ستراسبورغ فهي المرجع الصالح للإفراج عن جورج عبد الله والتعويض عليه، اذ ان أي مخالفة للقانون من قبل فرنسا أو إحدى الدول الموقعة على المحكمة تكون الأخيرة المرجع الصالح للبت بالقضايا.

محكمة ستراسبورغ لديها صلاحية بإبطال أي قرار تتخذه الدولة الفرنسية

وتشدّد الخنسا على أنّ إدارة ملف عبد الله بطريقة سياسية فقط وعبر تحركات في الشارع غير كاف. المطلوب التحرك قضائياً. وهنا تستشهد بحالة شبيهة بحالة عبد الله اذ كان هناك معتقل في ألمانيا تسلّمت قضيته، وتمكّنت بالتعاون مع زملاء من إخلاء سبيله حيث أجبر المدعي العام على تخلية سبيله بعد تقديم ما يُثبت أنّ الاعتقال كان خلافاً للقانون. وفق الخنسا، كان من المفترض على محامي جورج عبد الله أن يقدم اعتراضاً لدى النيابة العامة، وفي حال رفضت فرنسا الإفراج عنه كان لا بد من التوجه الى محكمة ستراسبورغ التي لديها صلاحية إبطال أي قرار تتخذه الدولة الفرنسية بهذا الخصوص.

ضغط أميركي وصهيوني على فرنسا

وفيما توجه الخنسا التحية للمناضل جورج عبد الله، تشدد على أنّ هناك ضغطا أميركياً وصهيونياً، ولكن بالتزامن مع ممارسة الضغط يجب أن يكون هناك ضغط قانوني لأن الأمور السياسية والاتصالات قد تصل الى حل لكنها مرهونة بتنازلات معينة ربما، أما اللجوء الى محكمة ستراسبورغ فيلزم الحكومة الفرنسية بالإفراج عن عبد الله والتعويض عليه، اذ يحق لعبد الله أن يطالب بمبالغ ضخمة كأن يطلب مئة مليون يورو تعويضا عن سنوات سجنه اللاقانونية.

فرنسا

إقرأ المزيد في: خاص العهد